مها العبدالرحمن
التفاوت العمري بين الزوجين واقع معاش ومعمول به بل يعتبر مطلباً، ويفضل أن تكون الزوجة هي الأصغر سناً ببضعة أعوام طبعاً، وهذا وفق مسلمات ومعايير معروفة ما بين رسم سنوات العمر على جسد المرأة بخطوط أوضح مما تكون عليه في الرجل، وبالتالي الفرق سيجعلها شابة وفتية أطول وقت ممكن في عينيه، ولا غبار على هذا المعتقد فيما لو تجاوزنا مفارقات الزمن وتكنولوجيته التي باتت كفيلة بالتصدي لهكذا أمور.
إنما وجه الغرابة في استمرار الاعتقاد بصلاحية الرجل للزواج والتكرار والتعدد حتى اللحد وبأي أسلوب، على أساس مقدرته على الإنجاب، وبناءً عليه صار من حق صاحب الامتياز هذا التشرط وأن ينتقي من عمر الزهور كيفما شاء، وفي أي عمر قرر!.
وللأسف سطحية مقاييسنا لا تخول الرجل ولا ذوي الفتاة لحسابات بسيطة حين يقرر مراهق ما بعد الأربعين أن يجدد شبابه، ويعاند مشاعر الفطرة التي ترسل رسائل تنبيه جسدية وحسية داخله تذكره بمحدودية الإمكانيات لديه، والعد التنازلي للفحولة والنشاط والتفاعل الروحي والإقبال على الحياة، فيغدو عنده ردة فعل عكسية لا سوية تقوده لرغبة في البحث عن صغيرة تعوض له مشاعر النقص وتوهمه بكونه ما زال قوياً وشديداً وقادراً، وأيضاً لافت ومطمع لمتميزات الجنس الآخر!
وضحايا مراهق ما بعد الأربعينيات فتيات ساذجات ممن يحلمن بطرحة بيضاء، أو مسكن مستقل، واستمتاع وترفيه وتنزه، أو تقليد لصديقة، أو للتفاخر بين رفيقاتها بمصطلح "مخطوبة" أي مرغوبة.
هذا الأربعيني لو حسبها ببساطة ودون آلة حاسبة لتمهل، وفكر بكيف يكون عمره في ال ٤٥ أو ٤٧، وهي ٢٠ أو أقل "وقس عليها فوارق مشابهة" ولن يجاريها بتقارب جيلي، فماذا بعد ١٠ سنوات فقط وهو ٥٥ أو ٥٧ وأكثر، وهي في أوجها ابنة ٣٠ أو أقل؟، ما تراها ستكون أوضاعهما؟، وبأي تعامل وتجاوب ستصير له الأحوال بين الاثنين؟، ما بين شيخ هرم وامرأة في كامل عزها، وفورة شبابها وقوتها محتفظة بكثير من نضارتها وطموحها وحيويتها.
.. الأنانية والعقدة الداخلية لهذا الشاب - مع وقف التنفيذ -، والناضج بلا عقل كاف، والمفكر بيومه بنظرة قاصرة لم تمتد لغد قريب، تلك جملة أسباب لم يراع فيها ذلك المتصابي ضميراً عند الاختيار أو القرار، ولم يفكر، أو فكر بحب شديد للذات ورضي أن يدهس على ثمار المنطقية، وزهرة شباب صغيرة تحت حوافر نرجسيته المتوحشة.
وكم سمعنا عن مسنين فيهم من صارت زوجته ممرضة لمشيبه في عز شبابها "واحكموا على الصور"، وآخر رحل عنها وخلفها مع صغار هي واحدة منهم لا تدري ما تفعل، وثالث سقط فريسة للمرض وتركها لتربية الأولاد وحيدة في هذا الزمن الصعب، وفيهم من استكثرها على نفسه، وكلما لاحظ هرمه وقوتها ضيق عليها الخناق وأحكم عليها قبضة تسلطه خوفاً منها وعليها من أن تُفتن أو تَفتن، وغيرها وغيرها من الأمثلة التي تتنافى مع الشعور بإنسانية المرأة وتصور عشوائية بعض الرجال، ولا مبالاة بعض أولياء الأمور. ففي هكذا أوضاع مشابهة من الوارد أن نرى مظاهر التصابي على راشدة دُفن شبابها في كنف ذاك المسن وتذكرت نفسها وتحررت منه بعد أن مضى الوقت المناسب لذلك اللباس والتصرفات والانطلاق، أو من تميل لاختيار صداقات أصغر سناً، وفيهن مقلدات لبناتهن، وأخريات يردّن لأرذل مراحل الشباب الذي لم يعش، ومنسلخات من المسؤوليات بعد كبت ولَّد انفجاراً، وربما يجنح البعض للخيانة أو ميول شاذة لبنات جنسهن!، وفي هؤلاء عادة يرسل العرف والتقاليد بسهام الانتقادات والتحقير والازدراء دون تمحيص وتدقيق بجذور المشكلة، وينظر ويحكم على المسألة دون بحث عن الأصل والأسباب الحقيقية لها.